فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{ويوم يعرض الذين كفروا على النار} فيه إضمار تقديره فيقال لهم {أليس هذا بالحق} يعني هذا العذاب هو الذي وعدكم به الرسل وهو الحق {قالوا بلى وربنا} هذا اعتراف منهم على أنفسهم بعد ما كانوا منكرين لذلك وفيه توبيخ وتقريع لهم فعند ذلك {قال} لهم {فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} قوله: {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أمره الله تعالى بالاقتداء بأولي العزم من الرسل في الصبر على أذى قومه قال ابن عباس ذو والحزم وقال الضحاك ذو والجد والصبر.
واختلفوا في أولي العزم من الرسل من هم فقال ابن زيد: كل الرسل كانوا أولي عزم لم يبعث الله نبيًا إلا كان ذا عزم وحزم ورأي وكمال عقل.
وهذا القول هو اختيار الإمام فخر الدين الرازي.
قال: لأن لفظة من في قوله: {من الرسل} للتبين لا للتبعيض كما تقول: ثوب من خز كأنه قيل له اصبر كما صبر الرسل من قبلك على أذى قومهم وصفهم بالعزم لقوة صبرهم وثباتهم وقال بعضهم: الأنبياء كلهم أولو العزم إلا يونس لعجلة كانت فيه ألا ترى أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: {ولا تكن كصاحب الحوت} وقال قوم: أولي العزم هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام وهم ثمانية عشر نبيًا لقوله بعد ذكرهم {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} وقال الكلبي: هم الذين أمروا بالجهاد وأظهروا المكاشرة لأعداء الله.
وقيل: هم ستة: نوح. وهود. وصالح. ولوط. وشعيب. وموسى. وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراف والشعراء.
وقال مقاتل: هم ستة: نوح صبر على أذى قومه. وإبراهيم صبر على النار. وإسحاق صبر على الذبح. في قول. ويعقوب صبر على فقد و لده وذهاب بصره. ويوسف صبر على الجب والسجن. وأيوب صبر على الضر.
وقال ابن عباس وقتادة: هم: نوح. وإبراهيم. وموسى. وعيسى. أصحاب الشرائع فهم مع محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين وخمسة قد ذكرهم الله على التخصيص والتعيين في قوله: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم} وفي قوله: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا} الآية روى البغوي بسنده عن عائشة قالت: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لال محمد يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم إلا بالصبر على مكروهها والصبر عن محبوبها ولم يرض إلا أن كلفني ما كلفهم فقال: {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل} وإني والله لابد لي من طاعته والله لأصبرن كما صبروا ولاجهدن كما جهدوا ولا قوة إلا بالله». اهـ.

.قال النسفي:

{واذكر أَخَا عَادٍ}.
أي هودا {إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بالأحقاف} جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشيء إذا اعوج.
عن ابن عباس رضي الله عنهما: هو وادٍ بين عمان ومهرة {وَقَدْ خَلَتِ النذر} جمع نذير بمعنى المنذر أو الإنذار {مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} من قبل هود ومن خلف هود. وقوله: {وَقَدْ خَلَتِ النذر مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} وقع اعتراضًا بين {أَنذَرَ قَوْمَهُ} وبين {أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} والمعنى واذكر إنذار هود قومه عاقبة الشرك والعذاب العظيم وقد أنذر من تقدمه من الرسل ومن تأخر عنه مثل ذلك {قالواْ} أي قوم هود {أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا} لتصرفنا فالأفك الصرف يقال: أفكه عن رأيه {عَنْ ءَالِهَتِنَا} عن عبادتها {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} من معاجلة العذاب على الشرك {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في وعيدك.
{قال إِنَّمَا العلم} بوقت مجيء العذاب {عَندَ الله} ولا علم لي بالوقت الذي يكون فيه تعذيبكم {وَأُبَلِّغُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ} وبالتخفيف: أبو عمرو أي الذي هو شأني أن أبلغكم ما أرسلت به من الإنذار والتخويف {ولكنى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} أي ولكنكم جاهلون لا تعلمون أن الرسل بعثوا منذرين لا مقترحين ولا سائلين غير ما أذن لهم فيه.
{فَلَمَّا رَأَوْهُ} الضمير يرجع إلى {مَا تَعِدُنَا} أوهومبهم وضح أمره بقوله: {عَارِضًا} إما تمييزًا أو حالا.
والعارض السحاب الذي يعرض في أفق السماء {مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} رُوي أن المطر قد احتبس عنهم فرأوا سحابة استقبلت أوديتهم فقالوا: هذا سحاب يأتينا بالمطر وأظهروا من ذلك فرحًا.
وإضافة {مُّسْتَقْبِلَ} و{ممطر} مجازية غير معرفة بدليل وقوعهما وهما مضافان إلى معرفتين وصفًا للنكرة {بَلْ هو} أي قال هود: بل هو. ويدل عليه قراءة من قرأ {قال هود بَلْ هو} {مَا استعجلتم بِهِ} من العذاب.
ثم فسره فقال: {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءٍ} تهلك من نفوس عاد وأموالهم الجم الكثير فعبر عن الكثرة بالكلية {بِأَمْرِ رَبِّهَا} رب الريح {فَأْصْبَحُواْ لاَ يرى إِلاَّ مساكنهم} عاصم وحمزة وخلف أي لا يرى شيء إلا مساكنهم.
غيرهم {لاَّ ترى إِلاَّ مساكنهم} والخطاب للرائي من كان.
{كَذَلِكَ نَجْزِى القوم المجرمين} أي مثل ذلك نجزي من أجرم مثل جرمهم وهو تحذير لمشركي العرب.
عن ابن عباس رضي الله عنهما: اعتزل هود عليه السلام ومن معه في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما تلذه الأنفس. وإنها لتمر من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة.
{ولقد مكناهم فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ} (إن) نافية أي فيما ما مكنا كم فيه إلا أن (إن) أحسن في اللفظ لما في مجامعة ما مثلها من التكرير المستبشع. ألا ترى أن الأصل في (مهما) (ما ما) فلبشاعة التكرير قلبوا الألف هاء.
وقد جعلت (إن) صلة وتؤول بأنا مكناهم في مثل {مَا إِنَّ مكناكم فِيهِ} [الأحقاف: 26] والوجه هو الأول لقوله تعالى: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا ورئيًا} [مريم: 74] {كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَءاثَارًا} [غافر: 82] و(ما) بمعنى الذي أونكرة موصوفة {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وأبصارا وَأَفْئِدَةً} أي الات الدرك والفهم {فَمَا أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ ولا أبصارهم ولا أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَىْءٍ} أي من شيء من الإغناء وهو القليل منه {إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بئايات الله} (إذ) نصب بقوله: {فَمَا أغنى} وجرى مجرى التعليل لاستواء مؤدي التعليل والظرف في قولك: ضربته لإساءته وضربته إذ أساء. لأنك إذا ضربته في وقت إساءته فإنما ضربته فيه لوجود إساءته فيه إلا أن (إذ) و(حيث) غلبتا دون سائر الظروف في ذلك {وَحَاقَ بِهِم} ونزل بهم {مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} جزاء استهزائهم وهذا تهديد لكفار مكة ثم زادهم تهديدًا بقوله: {ولقد أَهْلَكْنَا مَا حولكُمْ} يا أهل مكة {مِّنَ القرى} نحوحجر ثمود وقرى قوم لوط والمراد أهل القرى و لذلك قال: {وَصَرَّفْنَا الآيات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي كررنا عليهم الحجج وأنواع العبر لعلهم يرجعون عن الطغيان إلى الآيمان فلم يرجعوا {فَلولا} فهلا {نَصَرَهُمُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله قُرْبَانًا ءَالِهَةً} القربان ما تقرب به إلى الله تعالى أي اتخذوهم شفعاء متقربًا بهم إلى الله تعالى حيث قالوا {هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس: 18] وأحد مفعولي {اتخذ} الراجع إلى {الذين} محذوف أي اتخذوهم والثاني {ءالِهَةً} و{قُرْبَانًا} حال {بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ} غابوا عن نصرتهم {وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} {وَذَلِكَ} إشارة إلى امتناع نصرة الهتهم وضلالهم عنهم أي وذلك أثر إفكهم الذي هو اتخاذهم إياها الهة وثمرة شركهم وافترائهم على الله الكذب.
{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا} أملناهم إليك وأقبلنا بهم نحوك والنفردون العشرة {مِّن الجن} جن نصيبين {يَسْتَمِعُونَ القرءان} منه عليه الصلاة والسلام {فَلَمَّا حَضَرُوهُ} أي الرسول صلى الله عليه وسلم أو القرآن أي كانوا منه بحيث يسمعون {قالواْ} أي قال بعضهم لبعض {أَنصِتُواْ} اسكتوا مستمعين رُوي أن الجن كانت تسترق السمع. فلما حرست السماء ورجموا بالشهب قالوا: ما هذا إلا لنبأ حدث.
فنهض سبعة نفر أوتسعة من أشراف جن نصيبين أونينوى منهم زوبعة فضربوا حتى بلغوا تهامة ثم اندفعوا إلى وادي نخلة فوافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم في جوف الليل يصلي أو في صلاة الفجر فاستمعوا لقراءته.
وعن سعيد بن جبير: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم وإنما كان يتلوفي صلاته فمروا به فوقفوا مستمعين وهولا يشعر فأنبأه الله باستماعهم.
وقيل: بل الله أمر رسوله أن ينذر الجن ويقرأ عليهم فصرف إليه نفرًا منهم فقال: «إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فمن يتبعني؟» قالها ثلاثًا.
فأطرقوا إلا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لم يحضره ليلة الجن أحد غيري فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة في شعب الحجون فخط لي خطًا وقال: لا تخرج منه حتى أعود إليك. ثم اففتح القرآن وسمعت لغطًا شديدًا فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل رأيت شيئًا؟ قلت: نعم رجالًا سودًا. فقال: أولئك جن نصيبين».
وكانوا اثنى عشر ألفا والسورة التي قرأها عليهم اقرأ باسم ربك فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين فلما قضى أي فرغ النبى صلى الله عليه وسلم من القراءة ولوا الى قومهم منذرين إياهم قالوا يا قومنا انا سمعنا كتابا انزل من بعد موسى وانما قالوا من بعد موسى لأنهم كانوا علىاليهودية وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى عليه السلام مصدقا لما بين يديه من الكتب يهدى الى الحق الى الله تعالى والى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعى الله اي محمد صلى الله عليه وسلم وآمنوا به يغفر لكم ذنوبكم ويجركم من عذاب اليم قال أبو حنيفة رضى الله عنه لا تواب لهم الا النجاة من النار لهذه الآية وقال مالك وابن ابى ليلى وابويوسف ومحمد رحمهم الله لهم الثواب والعقاب وعن الضحاك انهم يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون لقوله تعالى: {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان}.
{ومن لا يجب داعى الله فليس بمعجز في الارض اى لا ينجى منه مهرب وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين أولم ير أن الله الذي خلق السموات والارض ولم يعي بخلقهن} هو كقوله: {وما مسنا من لغوب} ويقال عييت بالامر اذا لم تعرف وجهه بقادر محله الرفع لأنه خبر ان يدل عليه قراءة عبد الله قادر وانما دخلت الباء لا شتمال النفى في أول الآية على ان وما في حيزها وقال الزجاج لوقلت ما ظننت ان زيدا بقائم جاز كانه قيل اليس الله بقادر الا ترى الى وقوبلى مقررة للقدرة علىكل شىء من البعث وغير لالرؤيتهم على ان يحيى الموت بلى هو جواب النفى انه على كل شىء قدير ويوم يعرض الذين كفروا على النار يقال لهم اليس هذا بالحق وناصب الظرف القول المضمر وهذا إشارة إلى العذاب وقالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون بكفركم في الدنيا فاصبر كما صبر اولوا العزم اولوا الجد والثبات والصبر من الرسل من التبعيض والمراد بأولى العزم ما ذكر في الاحزاب واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم ويونس ليس منهم لقوله ولا تكن كصاحب الحوت وكذا آدم لقوله ولم نجد له عزما أولبيان فيكون اولوا العزم صفة الرسل كلهم ولاتستعجل لهم لكفار قريش بالعذاب اى لا تدع لهم بتعجيله فانه نال بهم لا محالة وان تأخر كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوالا ساعة من نهار ى انهم يستقصرون حينئذ مدة لبثهم في الدنيا حتى يحسبوها ساعة من نهار بلاغ هذا بلاغ اى هذا الذي وعظتم به كفايه في الموعظة اوهذا تبليغ من الرسول فهل يهلك هلاك عذاب والمعنى فلن يهلك بعذاب الله الا القوم الفاسقون اى المشركون الخارجون عن الإتعاظ به والعمل بموجبة قال عليه السلام «من قرأ سورة الأحقاف كتب الله له عشر حسنات بعدد كل رملة في الدنيا». اهـ.

.قال ابن جزي:

{واذكر أَخَا عَادٍ}.
يعني هودا عليه السلام {بالأحقاف} جمع حقف وهو الكدس من الرمل. واختلف أين كانت فقيل بالشام. وقيل: بين عُمان ومُهْرة وقيل: بين عُمان وحَضْرَموت. والصحيح أن بلاد عاد كانت باليمن {وَقَدْ خَلَتِ النذر} أي تقدمت من قبله ومن بعده. والنذر جمع نذير. فإن قيل: كيف يتصور تقدمها من بعده؟ فالجواب أن هذه الجملة اعتراض. وهي إخبار من الله تعالى أنه قد بعث رسلًا متقدمين قبل هود وبعده. وقيل: معنى من خلفه في زمانه.
{قال إِنَّمَا العلم عِندَ الله} أي قل: إن العذاب الذي قلتم ائتنا به ليس لي علم متى يكون. وإنما يعلمه الله. وما عليّ إلا أن أبلغكم ما أرسلت به.
{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} العارض السحاب الذي يعرض في أفق السماء. والضمير في رأوه يعود على ما تعدنا أو على المرئي المبهم الذي فسره قوله: {عَارِضًا} قال الزمخشري: وهذا أعرب وأفصح. وروي أنهم كانوا قد قحطوا مدّة. فلما رأوا هذا العارض ظنوا أنه مطر ففرحوا به فقال لهم هود عليه السلام: بل هو ما استعجلتم به من العذاب وقوله: {رِيحٌ} بدل من {مَا استعجلتم} أو خبر ابتداء مضمر {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} عموم يراد به الخصوص.
{ولقد مَكَّنَاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ} هذا خطاب لقريش على وجه التهديد أي مكنا عادًا فيما لم نمكنكم فيه من القوة والأموال وغير ذلك. ثم أهلكنا لما كفروا وإن هنا نافية بمعنى ما. وعدل عن ما كراهية لاجتماعها مع التي قبلها. وقيل: إن شرطية. وجوابها محذوف تقديره: إن مكنَّاكم فيه طغيتم. قال ابن عطية: وهذا تنطع في التأويل.
{ولقد أَهْلَكْنَا مَا حولكُمْ مِّنَ القرى} يعني بلاد عاد وثمود وسبأ وغيرها. والمراد إهلاك أهلها {فَلولا نَصَرَهُمُ} الآية عرض معناه النفي أي لم تنصرهم الهتهم التي عبدوا من دون الله {قُرْبَانًا} أي ترقبوا بهم إلى الله وقالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله. وانتصاب قربانًا على الحال. ولا يصح أن يكون قربانًا مفعولا ثانيًا لا تخذوا والهة بدل منه لفساد المعنى. قاله الزمخشري. وقد أجازه ابن عطية {بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ} أي تلفوا لهم وغابوا عن نصرهم حين احتاجوا إليهم.
{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الجن} أي أملناهم نحوها. والنفر دون العشرة. وروي أن الجن كانوا سبعة وكانوا كلهم ذكرانًا. لأن النفر الرجال دون النساء. وكانوا من أهل نصيبين. وقيل من أهل الجزيرة. واختلف هل رآهم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قيل: إنه لم يرهم. ولم يعلم باستماعهم حتى أعلمه الله بذلك. وقيل: بل علم بهم واستعد لهم واجتمع معهم. وقد ورد في ذلك عن عبد الله بن مسعود أحاديث مضطربة. وسبب استماع الجن أنهم لما طردوا من استراق السمع من السماء برجم النجوم قالوا: ما هذا إلا لأمر حدث. فطافوا بالأرض ما أوجب ذلك. حتى سمعوا قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر في سوق عكاظ. فاستمعوا إليه وآمنوا به {أُنزِلَ مِن بَعْدِ موسى} في هذا دلالة على أنهم على دين اليهود. وقيل: كانوا لم يعلموا ببعث عيسى {مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} ذكر في [البقرة: 89] {دَاعِيَ الله} هو رسو ل الله صلى الله عليه وسلم: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ} من هنا للتبعيض على الأصح. أي يغفر لكم الذنوب التي فعلتم قبل الإسلام. وأما التي بعد الإسلام فهي في مشيئة الله. وقيل: معنى التبعيض أن المظالم لا تغفر وقيل: إن من زائدة {وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} أي من النار. واختلف الناس هل للجن ثواب زائد على النجاة من النار. أم ليس لهم ثواب إلا النجاة خاصة {وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ الله} الآية: يحتمل أن يكون من كلام الجن. أو من كلام الله تعالى. ومعنى ليس بمعجز أي لا يفوت.